الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
في حكم ومواعظ وأداب وسياسات وحزم ويقظة مما هو سبب لمصالح الدنيا والآخرة وصلاح الخلق وطاعة الخالق، كتب بكثير منها بعض الملوك إلى هارون الرشيد، فأردت أن أودعها كتابي هذا لحسنها نقلها ابن يوسف في جامعه، قال ابن يونس: كتب بعض الملوك إلى هارون الرشيد: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإني كتبت إليك بما فيه رشد ونصح، اذكر نفسك في غمرات الموت وكربه وما هو نازل بك منه وما أنت موقوف عليه بعد الموت من العرض والحساب والخلود، فأعد له ما يسهل به ذلك عليك، فإنك لو رأيت أهل سخط الله وما صاروا إليه من ألوان عذابه وشديد نقمته وسمعت زفيرهم في النار وشهيقهم بعد كلوح وجوههم لا يسمعون ولا يبصرون ويدعون بالثبور، وأعظم من ذلك عليهم حسرة إعراض الله عنهم بوجهه وانقطاع رجائهم من روح الله وإجابته إياهم بعد طول الغم (اخسأوا فيها ولا تكلمون) ما تعاظمك شيء من الدنيا أردت به النجاة من ذلك. ولو رأيت أهل طاعة الله ومنزلتهم منه وقربهم لديه ونضارة وجوههم ونور ألوانهم وسرورهم بما انحازوا إليه لعظم في عينك ما طلبت به صغير ما عند الله تعالى، واحذر على نفسك وبادر بها قبل أن تسبق إليها، وإياك وما تخاف الحسرة فيه غدا عند نزول الموت، وخاصم نفسك في مهل وأنت تقدر على نفعها وضرب الحجة عنها، واجعل لله نصيبا من نفسك في الليل والنهار، وأمر بطاعة الله تعالى وأحبب عليها، وانه عن معاصي الله تعالى وأبغض عليها، فالنهي عن المنكر لا يقدم أجلا ولا يقطع رزقا، أحسن لمن حولك وأتباعك لقوله عليه السلام من كان له خول فليحسن إليهم ومن كره فليستبدل ولا تعذبوا خلق الله، الزم أدب من وليت أمره، ولا تقنط الناس من رحمة الله، واخفض جناحك لمن اتبعك وأكرمهم في كنفك، قال عليه السلام: ألا أحدثكم بوصية نوح لابنه، قال له آمرك باثنين وأنهاك عن اثنين، آمرك بشهادة أن لا إله إلا الله فإنها لو كانت في كفة والسموات والأرض في كفة وزنتها، وآمرك أن تقول: سبحان الله وبحمده، فإنها عبادة الحق وبها تقطع أرزاقهم فإنهما يكثران لمن قالهما الولوج على الله تعالى، وأنهاك عن الشرك بالله والكبر، فإن الله تعالى يحتجب منهما. وقد ورد أن الجبارين والمتكبرين يحشرون يوم القيامة في صور الذر تطؤهم الناس لتكبرهم على الله تعالى، وقال عليه السلام: إن الله يحب كل سهل لين طلق الوجه، ولا تأمن على شيء من أمرك من لا يخاف الله، وقال عمر رضي الله عنه: شاور في أمرك من يخاف الله، وقال سهل رضي الله عنه: احذر بطانة السوء وأهل الردى على نفسك، واستبطن أهل التقوى من الناس، تكلم إذا تكلمت بخير أو اسكت، اتق فضول المنطق. أكرم من وادك وكافئه بمودته، ولا تأمر بحسن إلا بدأت به، ولا تنه عن قبيح إلا بدأت بتركه، وإياك والغضب في غير الله، صل من قطعك، واعف عمن ظلمك، وأعط من حرمك، لقوله عليه السلام: إنها أفضل أخلاق أهل الدنيا، لا تكثر الضحك؛ لأن ضحكه عليه السلام كان تبسما، لا تمدح بكذب، اترك من الأعمال في السر ما لا يجمل بك أن تفعله في العلن، واتق كل شيء تخاف فيه التهمة في دينك أو دنياك، أقلل طلب الحوائج إلى الناس؛ لأنه يخلق الوجه والحرمة، أحسن لأقاربك وأهلك فإن فيه طول أجلك وسعة رزقك، قال عليه السلام: من سره السعة في الرزق والنسأ في الأجل فليصل رحمه، والله تعالى يحب الطلق الوجه ويكره العبوس، قاله عليه السلام: اتق شتم الناس وغيبتهم، خذ على يد الظالم وامنعه من ظلمه، لقوله عليه السلام: من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام، ومن مشى مع ظالم يعينه على ظلمه أزل الله قدميه يوم تزل الأقدام، اتق اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق، وطول الأمل فإنه ينسي الآخرة، أنصف الناس من نفسك ولا تستطل عليهم بسلطانك، اقبل عذر من اعتذر إليك لقوله عليه السلام: من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل وزر صاحب مكس، صل من قطعك ولا تكافئه بسوء فعله لقوله عليه السلام: إن أساءوا فأحسن فإنه لا يزال لك عليهم من الله تعالى يد ظاهرة، ارحم المسكين والمضطر والغريب والمحتاج وأعنهم ما استطعت، احذر البغي ولا تظلم الناس فيقيهم الله منك، فما ظلمت أحدا أشد من ظلم من لا يستعين إلا بالله، قال عليه السلام: ثلاثة لا ترد دعواتهم، الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم فإنها تظهر فوق الغمام فيقول لها الجبار تبارك وتعالى وعزتي وجلالي؛ لأنصرنك ولو بعد حين، لتكن عليك السكينة والوقار في منطقك ومجلسك ومركبك، لقوله عليه السلام: عليكم بالسكينة. ادفع السيئة بالحسنة، إذا غضبت من شيء من أمر الدنيا فاذكر ثواب الله تعالى على كظم الغيظ "والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" إذا ركبت دابتك فقل: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين" اجعل سفرك يوم الخميس؛ لأنه عليه السلام استحبه، إذا ودعت مسافرا فقل: زودك الله التقوى، ويسر لك الخير حيث ما كنت، أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، كذلك كان عليه السلام يفعل، إذا أصابك كرب فقل: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، كان عليه السلام يقوله، واحترز ممن يتقرب إليك بالنميمة وتبليغ الكلام عن الناس، وعليك بالصبر، قال عليه السلام: الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد. لا تمار أحدا وإن كنت محقا، أدب من حولك على خلقك حتى يكونوا لك أعوانا على طاعة الله، وإذا تعلمت علما فلير عليك أثره وسكينته وسمته ووقاره، اردد جواب الكتاب إذا كتب إليك فإنه كرد السلام، قاله ابن عباس، أفش الصدقة فإنها تدفع ميتة السر، لا تضطجع على بطنك لقوله عليه السلام: إنها ضجعة يبغضها الله، أخف ما أردت به الله، لقوله عليه السلام: صدقة السر تطفئ غضب الرب، اتق التزكية منك لنفسك، ولا ترض بها من أحد يقولها في وجهك، لقوله عليه السلام للذي مدح آخر ويحب قطع عنقه: لو سمعها ما أفلح أبدا. اقتد في أمورك بذوي الأسنان من أهل التقى، لقوله عليه السلام: خياركم شبانكم المشبهون بشيوخكم، وشراركم شيوخكم المشبهون بشبابكم. لا تجالس متهما عليك بمعالي الأخلاق وأكرمها، أكثر الحمد عند النعم لقوله عليه السلام: ما أنعم الله على عبد بنعمة فقال الحمد لله إلا كان ذلك أعظم من تلك النعمة وإن عظمت، إن اعتراك الغضب قائما فاقعد، أو قاعدا فاضطجع؛ لأنه عليه السلام كان يفعل كذلك، إن خفت من أحد فقل: الله أكبر وأعز من خلقه جميعا الله أكبر وأعز مما أخاف وأحذر، وأعوذ بالله الممسك للسماوات أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر فلان، كن لي جارا من فلان وجنوده من الجن والإنس أن يفرط علي أحد أو يطغى، جل جلالك وعز جارك مرات، كان ابن عباس يأمر بذلك، إذا هممت بطاعة الله فعجلها فإنك لا تأمن الأحداث، وإذا هممت بشر فأخره لعل الله تعالى يعينك على تركه، الزم الصمت لقوله السلام: عليه لا يستكمل لأحد الإيمان حتى يحذر من لسانه، إذا أشرفت على قرية تريدها، فقل: اللهم ارزقنا خيرها واصرف عنا شرها وويلها؛ لأنه عليه السلام كان يقولها. قال ابن يونس: إذا كنت قاضيا أو أميرا فلا يكون شأنك حب المدح والتزكية فيعرف ذلك منك فيتحدث في عرضك بسببه ويضحك منك، لتكن حاجتك في الولاية ثلاث خصال: رضى ربك، ورضى سلطانك - إن كان فوقه سلطان - ورضى صالح من وليت عليه، اعرف أهل الدين والمروءة في كل كورة وليكونوا إخوانك، لا تقل إن استشرت أظهرت الحاجة للناس، فإنك لم ترد الرأي للفخر بل للمنفعة مع أن الذكر الجميل لك بذلك عند العلماء، لا يهن عليك أهل العقل والخير ولا تمكن غيرهم من أذيتهم، عرف رعيتك أبوابك التي لا ينال ما عندك من الخير إلا بها، والتي لا يخافونك إلا من قبلها، واجتهد في أن لا يكون من عمالك جائر، فإن المسيء يفرق من خبرتك به قبل أن تصيبه عقوبتك، والمحسن يستبشر بعملك قبل أن يأتيه معروفك، ولتعرفهم ما يتقون من أخلاقك أنك لا تعاجل بالثواب ولا بالعقاب، فإن ذلك أدوم لخوف الخائف ورجاء الراجي، عود نفسك الصبر على ما خالفك من رأي أهل النصحية، ولا يسهل ذلك إلا على أهل الفضل والعقل والمروءة، ولا تترك مباشرة عظيم أمرك فيعود شأنك صغيرا، ولا تباشر الصغير من الأمر فتضيع الكبير وأنت لا تتسع لكل شيء، فتفرغ للمهم، وكرامتك لا تسع العامة فتوخ أهل الفضل، إنك وأنت عاجز عن جميع مصالحك فأحسن قسمة نفسك بينها، لا تكثر البشر ولا القبض، فإن أحدهما سخف والآخر كبر، ليس لملك أن يغضب؛ لأن قدرته تحصل مقصودة، ولا يكذب؛ لأنه لا يقدر أحد على إكراهه، وليس له أن يبخل لبعد عذره عن خوف الفقر، ولا أن يحقد؛ لأن حقده خطر على الرعية، ولا يكثر الحلف بل الملك أبعد الناس عن الحلف؛ لأنه لا يحلف للناس إلا لمهانة في نفس الحالف أو حاجته للتصديق أو عي في الكلام فيجعل الحلف حشوا، أو تهمة عرفها الناس في حديثه فيبعد نفسه عنها، أحق الناس بجبر نفسه عن العدل الوالي ليقتدي به غيره، الناس ينسبون الوالي إلى نسيان العهد ونقض الود، فليكذب قولهم وليبطل عن نفسه صفات السوء، وليهتم بسد خلة الإخوان وردع عادية السفلة، إنما يصول الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع، لا يولع الوالي بسوء الظن، وليجعل لحسن الظن عنده نصيبا، لا تهمل التثبت فإن الرجوع عن الصمت أولى من الرجوع عن الكلام، والعطية بعد المنع أولى من المنع بعد العطية، وأحوج الناس للتثبت الملوك؛ لأنه ليس لقولهم دافع ولا منكر مرشد، جميع ما يحتاج إليه من الرأي رأيان: رأي يقوي به سلطانه، ورأي يزينه في الناس، والأول مقدم. إن ابتليت بصحبة السلطان فعليك بالمواظبة وترك المعاتبة، ولا يحملك الأنس على الغفلة ولا التهاون فيما ينبغي، فإذا جعلك أخا فاجعله سيدا، وإن زاد فزده تواضعا، وإذا جعلك ثقته فأقلل الملق، ولا تكثر له من الدعاء في كل كلمة فإنه يشبه الوحشة، إلا أن تكلمه على رءوس الناس فتبالغ في توقيره، وإن كان لا يريد صلاح رعيته فأبعده فإنك لا تعدم فساده إن خالفته أو فساد الرعية إن وافقته، فإن نشبت معه فاصبر حتى تجد للفراق سبيلا لئلا تسأل رضاه فلا تجده، لا تخبرن الوالي أن لك عليه حقا أو تقدم يد وإن استطعت أن تنسى ذلك فافعل؛ لأنها تصير بغضة. واعلم أن السلطان إذا انقطع عليه الآخر نسي الأول، وأن أرحامهم مقطوعة، وحبالهم مصرومة، إلا عمن رضوا عنه، إذا ذكرت عنده بشر فلا تره احتفالا بذلك ولا توقعه من نفسك موقعا عظيما لئلا تظهر عليك الريبة بما قيل فيك، وإن احتجت للجواب فإياك وجواب الغضب، وعليك بجواب الوقار والحجة، لا تعدن شتم الوالي شتما، فإن ريح العزة يبسط اللسان بالغلظة من غير سخط، لا تأمنن جانب المسخوط عليه عند السلطان، ولا يجمعنك وإياه منزل ولا مجلس، ولا تظهر له عذرا، ولا تثن عليه خيرا عند أحد من الناس، فإذا تبين للوالي مباعدتك منه قطع عذره عند الوالي، واعمل في الرضا عنه في لطف، واطلب منه وقت طيب نفسه لجميع مقاصدك، إذا كنت ذا جاه عنده فلا تتكبر على أهله وأعوانه ولا تظهر الاستغناء عنهم لتوقع الحاجة إليهم عند وقوع المحن، إذا سأل الوالي غيرك فلا تجب أنت فإن ذلك سوء أدب على السائل والمسئول، ولعله يقول لك: ما سألتك أنت، وإن سأل جماعة أنت منهم فلا تبادر بالجواب فإنه خفة، وإن سبقت الجماعة صاروا لجوابك خصماء يعيبونه ويتتبعونه ويفسدونه، وإن أخرت جوابك تدبرت أقاويلهم فكان فكرك أقوى بذلك فيكون جوابك أحسن ويتفرغ سمعه لك، وإن فاتك الجواب فلا تحزن فإن صيانة القول خير من قول في غير موضعه، وكلمة صائبة في وقت خير من كلام كثير خطأ، والعجلة منوطة بالزلل. إذا كلمك الولي فلا تشغل طرفك بالنظر لغيره، ولا أطرافك بعمل ولا قلبك بفكر غيره، اتخذ نظراءك عنده إخوانا، ولا تنافسهم فإنهم مظنة الحسدة والهلكة، ولا تجسرن على مخالفتهم وإن اعترفوا لك بالفضل، فإن النفس مجبولة على كراهة التقدم عليها فيردون عليك، فإن راددتهم صرت مناقضهم وهم مناقضوك، وإن سكت صرت مردود القول، إياك أن تشكو لأخلائه أو خدمه ما تجده مما تكرهه منه، فإن ذلك عاقبته مخوفة، [واحتمال ما خالفك من رأيه أوجب من مناقضته فيه إلا أن يسهل على نفسك مفارقته] ولا تصحب السلطان إلا بعد رياضة نفسك على المكروه منه عندك، ولا تكتمه سرك ولا تبح سره، وتجتهد في رضاه والتلطف في حاجته والتصديق لمقالته والتزيين لرأيه وقلة القلق مما أساؤا لك، وأكثر نشر محاسنه وأحسن الستر لمساوئه، وتقرب ما قرب وإن كان بعيدا، وتبعد ما باعد وإن كان قريبا، والاهتمام بأمره وإن لم يهتم به، والحفظ لما ضيعه من شأنه، والذكر لما نسيه، وخفف مؤنتك عليه. ابذل لصديقك دمك، ولمعارفك رفدك ومحضرك، وللعامة بشرك وتحيتك، ولعدوك عدلك وصبرك، وابخل بدينك وعرضك عن كل أحد إلا لضرورة وال أو ولد، ولغيرهما فلا، وإن سمعت من صاحبك كلاما حسنا أو رأيا فانسبه إليه؛ لأن نسبته لنفسك مفسدة له وعار عليك، فإن فعل هو ذلك في كلامك فسامحه به، وآنسه مع ذلك بما تستطيع لئلا يستوحش، وإياك أن تشرع في حديث ثم تقطعه فإنه سخف، ولا تشرع إلا إذا علمت أنه يكمل لك، وافهم العلماء إذا اجتمعت بهم ولتكن أحرص على أن تسمع من أن تقول، لا تألم إذا رأيت صديقك مع عدوك فقد يكفيك شره، أو ستر عورة لك عنده، تحفظ في مجلسك من التطويل واسمع عن كثير مما يكون عندك فيه صواب لئلا يظن جلساؤك أنك تريد الفضل عليهم، ولا تدع العلم في كل ما يعرض، فإنهم إن نازعوك عرضوك للجهالة أو تركوك فقد عرضتهم للجهل والعجز، واستحي كل الحيا أن تدعي أن صاحبك جاهل وأنك عالم ولو بالتعريض، واعلم أنك إذا صبرت ظهر ذلك منك بالوجه الجميل، وكن عالما كجاهل، وقاطعا كصاحب، وإذا حدث بين يديك ما تعرفه فلا تظهر معرفته؛ لأنه من سوء الأدب، وليفهم عنك أنك أقرب إلى أن تفعل ما لا تقول من أن تقول ما لا تفعل، ففضل القول على الفعل عار، وفضل الفعل على القول مكرمة، وطن نفسك على أنك لا تفارق أخاك وإن جفاك، وليس كالمرأة التي متى شئت طلقتها، بل هي عرضك ومروءتك، فمروءة الرجل إخوانه فإن قطع الأخ حبالة الإخاء فلا تعتذر إلا لمن يجب أن يظفر لك بعذر، ولا تستعن إلا بمن تحب أن يظفر لك بحاجة، ولا تحدثن إلا من يعد حديثك مغنما مالم تغلبك الضرورة، إذا غرست المعروف فتعاهد غرسك لئلا تضيع نفقة الغرس، من اعتذر لك فتلقه بالبشر والقبول، إلا أن يكون ممن قطيعته غنيمة، إخوان الصدق خير من مكاسب الدنيا: زينة في الرخاء وعدة عند الشدة، ومعونة على المعاد والمعاش، فاجتهد في اكتسابهم، وواظب على صلة أسبابهم، الكريم أصبر قلبا، واللئيم أصبر جسما، اجتهد في أن لا تظهر لعدوك أنه عدوك؛ لأنه يلبس السلاح لك، بل أظهر صداقته تظفر به ويقل شره، ومن الحزم أن تؤاخي إخوانه فتدخل بينهم وبينه العداوة، ومع السكوت عنه فأحص عوراته ومعايبه لا يخفى عليك شيء ولا تشع فلك [...] له، اعلم أن بعض العطاء سرف، وبعض البيان عي، وبعض العلم جهل، وعن جعفر الصادق رضي الله عنه: ما كل ما يعلم يقال، ولا كل ما يقال حضر أوانه، ولا كل ما حضر أوانه حضر إخوانه، ولا كل ما حضر إخوانه حضرت أحواله، ولا كل ما حضرت أحواله أمن عواره، فحافظ لسانك ما استطعت والسلام. وقد أتيت في هذا الكتاب ما أسأل الله جل جلاله وتعاظمت [...] أن ينفعكم به معاشر الإخوان في الله تعالى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
|